و في عصرنا الحاضر ، حافلة بالتغيراتالفنية المختلفة العفوية منها، والتلقائية فكثير ما نجد الإنسان ينحت و يرسم .يتعامل مع الفن بعشق ، ومحبة وحنان . وذلك ليكون شخصيته الإجتماعية ، والحضارية .خاصة ، وأن الفن ، في عصرنا ، أصبح كلمة على ألسنة الناس ، ولحنآ يدخل أعماقهم ،فيطربهم ، ويهز مشاعرهم ؛ ورمزا من رموز الوعي ، والذوق والثقافة (المتاحف ـالمجلات ـ اللوحات..} من هنا يبرز إفتخار الأمم و الشعوب بفنانيها و مفكريها ،مثلما تفتخر بقياديها وحكامها (ميشل انجول في إيطاليا له نفس أهمية يوليوس قيصر).
نعم للفن أهمية كبرى لا غنى عنها أبدا ، فهو .
يمس خصائص حياتنا اليومية ، كالملبس و المسكن والاثاث . فأينشاط إنتاجي أو صناعي يخلو من الذوق الفني ، و الإبداع المحبب ، هو إنتاج رتيب أورخيص . وأية صورة طبيعية تبدو حولنا خالية ، من مسحات السحر و الجمال ، هي صورجافة وميتة فلا يمكن أن نتصور الأرض دون أن تنبت أخضرا أو شجرا ، ولا يمكن أننتصور السماء رمادية اللون . ولا كل الوجوه الإنسانية صور مكررة دون تغيير . والمباني لونها كلون الطين.
وكذلك ، لا يمكن تصور إنعدام الخط ، واللون ، فيا لها منحياة إنسانية تحيط بها هذه البيئة المحطمة الهشمة ! إنه الإنسان ، في مثل هذاالواقع ، سيلجأ إلى إرتكاب الجرائم ، وإعتناق الشر طريقا..
لأن الذوق الجمالي مغروس في الإنسان منذ وجد ، فهو لا يقدرأن يعيش بدونه ، ولا يرضى بشيء آخر بديلا عنه منذ طفولته . ومنذ أن درج على الأرض، أخذ الفن يناجيه ، وأصغى هو بدوره إليه.
من هنا ، أصبح لزاما علينا أن نهتم بالفن و الإبداع ؛ ننميهفي أطفالنا الصغار ، وهم على مقاعد الدراسة ، أو في غرفة في البيت ، نرعاهم ،ونوجههم ، دون المساس في جوهر تعبيرهم ؛ نؤمن لهم كل ما يلزم ، من أجواء و مواد وخامات ، لكي يكون بإستطاعتهم العطاء ، العطاء النافع و البناء . لأن في الفن ، يرىالطفل شخصيته المستقلة ، ويرى ذاته القادرة ، عدا عن تهذيب العقل وصقل الروح.
الطفل ولد مع التعبير و الحركة والخلق ، فهو منذ إيقاعهالأول ، إيقاع الحركة و المشي ، يلصق القلم على الورقة معطيا خطوطا عشوائية ، ليسلها إيقاعي خاص ؛ وتطورت هذه الخطوط ، مع التقدم الزمني و الإجتماعي للطفل ، حتىأصبحت خطوطا متشابكة في كل الإتجاهات ؛ فكان أن ظهرت بوادر الرسم البندوليالمتشابك ، يرسمها وهو منبطح على بطنه ، وكأنه يمارس الرسم بجسمه كله . إنطلاقا منهذه الخطوط ، وهذا التعبير ندعو إلى الإهتمام بأطفالنا من خلال التربية الفنية.
هذه المادة التي يجب أن نعممها ، على المراحل الدراسيةالإبتدائية و المتوسطة ، ويجب أن نعممها في كل المؤسسات التربوية العامة والخاصة .لا من أجل أن نصنع من هؤلاء الأطفال فنانين ورسامين ؛ بل ،لكي يمارس الأطفال عمليةالرسم والتلوين بحرية وعفوية ؛ ليتذوقوا ما في هذه الممارسة من متعة للشعوروللتفكير ؛ خاصة وأن الفن لم يعد يقتصر على الفنانين المحترفين ، ولا على المتاحف، وصالات العرض ، بل دخل حياتنا العامة والمدرسية ، وأصبح وسيلة تربوية أساسية ،يلعب دورا مهما في بناء الشخصية الإنسانية المتكاملة . فالقصد إذا من برامج الرسمو التلفزيون في المدارس ، هو شحذ حواس الولد الطرية ، و إيقاظ نشاطه الفكري الحر.
ومن الخطا ، إعتبار الرسم ، في المدارس ، عملية يتلقن فيهاالتميذ عادات و طرائق يدوية في نسخ الطبيعة والأشكال ؛ بل القصد هو أن يكتسب خصالانفسية ، تتأصل في شخصيته ، وتصبح من طبائعه الأساسية ؛ إذ أن هذه الخصال تنمووتتطور مع الولد ، إذا أحيط بجو الحرية و التفهم عن طريق ممارسة اللعبة الفنية .لذلك ، أعتبر أن وجود معلم الرسم الكفوء في مدارسنا قضية لها أهميتها الكبرى ،لأنه لا قيمة لمادة التربية الفنية من غير موجهها ومدبرها.
وإعداد هذا المعلم تتطلب أمور كثيرة : منها ما هو نظري ،ومنها ما هو عملي ، ووضعه أيضا في أجواء المعارض الفنية والمحترفات المتطورة.
إن رسوم الأطفالتحمل حالات (الأنا) بأبسط معاني فرحها و أحزانها . و عليناكمعلمين وكمربين أن نحترم عطاء الطفل ، وأن نوجه تصوراته برفق وحنان . إذ في هذاالعطاء ، تنمو حضارتنا الفنية ، و تصبح البيئة أفضل مما كانت عليه ، لأن الطفليعتاد خدمة الحضارة ، وهو على مقاعد الدراسة.
المعلم لا يعلمالطفل الفن كفن ، و الرسم كرسم ، بقدر ما يعلمه الملاحظة ، ولفت النظر ، بغيةتنمية قدراته ، فهو ليس بحاجة إلى نظريات ومبادىء بل هو أحوج مايكون الى المحادثة، والتشجيع ، لنعلم الطفل كيف يفكر ، ويبتكر بحرية ، ولنلاحظ إنتاجه بحذ ر من غيرمساس مباشر ، فنكسبه فيما بعد رجلا يعتاد التفكير ، و الإبتكار بحرية تامة.
هذه الملامح التربوية في التعبير الفني ، كان قد أوصى بهاالمجمع العالمي للتربية الفنية في مؤسسة اليونيسكو العالمية ، حيث دعا إلى تركحرية العمل الفني لدى الأطفال ، وإحترام إنتاجهم و تطوير عملية الإبداع لديهم.
ثم دعا لتنمية الذوق الفني داخل المدرسة والفرقة و خارجها